الأحد، ١ نوفمبر ٢٠٠٩
الجمعة، ٢٤ يوليو ٢٠٠٩
الجمعة، ١٤ نوفمبر ٢٠٠٨
الأربعاء، ٥ نوفمبر ٢٠٠٨
أصحاب الفكر الاسلامى الاصلاحى
عام 2003 حلت المئوية الاولي لوفاة الداعية والكاتب الاسلامي المعروف ابو الاعلي المودودوي (1903 ـ 1979)، والعام الماضي حلت المئوية الاولي لوفاة المصلح الاسلامي التنويري الامام محمد عبده، الذي ارسي معالم ما صار يعرف بمدرسة المنار او الحركة السلفية، او المدرسة الاصلاحية المصرية، واللافت للانتباه ان محمد عبده استذكره الكثيرون في ندوات وحلقات علم، مع ان عام وفاته شهد ولادة اصلاحي وكاتب اسلامي متنور لا يقل اهمية عنه وهو الكاتب والمفكر الجزائري مالك بن نبي، وكان عبده قد زار الجزائر في عام 1903 واستقبل جيدا من قبل علمائها خاصة ابن باديس الذي استفادت حركته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من افكاره وخطه التنويري. وهذا العام تحل المئوية الاولي لولادة كل من مؤسس جماعة الاخوان المسلمين حسن البنا (1906 ـ 1949)، والمفكر والكاتب والمنظر سيد قطب (1906 ـ 1966). ومضت قبلهما مئوية عبد الرحمن الكواكبي (1854 ـ 1902)، وسنحاول ان نقدم في الايام القادمة استذكارات ومتابعات لأثر هذه الاسماء التي لا تزال حاضرة في الفكر الاسلامي المعاصر، حيث لا تزال كتاباتهم يحتفي بها بين الناشطين الاسلاميين، والداعين لاعادة النظر في مجمل الاطروحات وبناء فكر اسلامي جديد يتواءم مع متطلبات الواقع المعاصر او واقع المسلمين في القرن الحادي والعشرين. و القدس العربي ترحب بأي مشاركة، مذاكرة او مقاربة في هذا الاتجاه. والمتابعات لن تنشر بالتتابع ولكنها ستقدم كلما سنحت الفرصة لذلك. والمقالة التالية ارسلها الكاتب صقر ابو فخر في نهاية العام الماضي وهي تحاول تقديم رؤية مختلفة، قابلة للاخذ او الرد.القدس العربي مضت سنة 2005 وفي هذه السنة، التي توافق الذكري المئوية لوفاة الامام محمد عبده، سالت في امتداحه اخبار غزيرة، وتبارز الكثير من الكتاب والمفكرين والصحافيين في اعلاء شأنه وتقريظه كأبرز مفكر اصلاحي في بدايات القرن العشرين الذي اقترن اسمه باثنين من اعلام تلك الفترة هما: جمال الدين الافغاني ورشيد رضا. وقد آن الاوان، بعد ان انحسرت هذه العاصفة، لوضع هذا الامر في نطاقه الصحيح، ومراجعة تاريخ محمد عبده و افكاره بميزان نقدي دقيق.لم يظهر في العالم العربي تيار اصلاحي جذري علي الاطلاق، لقد كان هناك دائما اصلاحيون كثيرون، لكن من غير ان يؤسس هؤلاء تيارا اصلاحيا واضح المعالم، ومع ذلك قلما ظهر فكر ديني مطابق لوعي زمانه. وابعد من ذلك، فقد عرفت البلاد العربية متنورين كثيرين، لكن لم تنشأ في ارجائها حركات تنويرية راديكالية مثل تلك التي عصفت بأوروبا وبالمسيحية في اوروبا، او حتي باليهودية نفسها (الهسكلاه) والتي اسست لنقد الدين نفسه. اما الاصلاحيون في مصر، ومنهم بالطبع محمد عبده، فقد ظهروا كرد علي الليبرالية التي بدأت تزدهر في الربوع المصرية منذ القرن التاسع عشر فصاعدا، لكنهم عجزوا عن صوغ مشروع اصلاحي متكامل، او حتي تفكير اصلاحي شامل، وظل معظم هؤلاء الاصلاحيين، ولا سيما رجال الدين منهم، يدور في نطاق التحليل والترخيص والتسهيل. وحركات الاصلاح الديني التي كانت تحديات العصر عنصرا تكوينيا في انبثاقها شكلت، في الصميم، ارتدادا عن العصر وانقلابا الي عصور انتهت، وبادت وما عاد في الامكان الرجوع اليها.ان محمد عبد الوهاب، علي سبيل المثال، بدعوته الي العودة الي صفاء الاسلام الأولي انما يمثل، في الجوهر، الخوف من مجابهة العصر، والانسحاب امام العصر، وفي نهاية المطاف، الارتداد عن الانخراط في الحداثة والعصر. والتجربة المهدية في السودان تطلعت بدورها الي العودة بالاسلام الي ما كان عليه، وهذا من المحال تاريخيا. وهذه الحركة حينما أسمت اتباعها بـ الأنصار كانت تعكس، الي درجة ما، الطريقة السلفية في التفكير او النظر الدائم الي الوراء. وكذلك التجربة السنوسية في ليبيا ايضا، فهذه الحركة انما هي مجرد حركة اصلاحية سلفية في النهاية، ومحمد المهدي السنوسي ليس اكثر من سلفي كان يريد اصلاح الواقع المتردي للاسلام في زمنه ذاك. وفي تلك الفترة، اي في اواخر القرن التاسع عشر، لمع في سماء الفكر اثنان كان لهما شأن كبير في نقد السياسة والرئاسة معا هما: عبد الرحمن الكواكبي وجمال الدين الافغاني. لكن عبد الرحمن الكواكبي سخر جهده، بالدرجة الاولي، لفضح الاستبداد، ولم ينصرف الي مسائل الاصلاح الديني البتة. والافغاني نفسه لم يهتم بالتجديد والاصلاح والتنوير، بل حصر قلمه في الثورة علي انظمة الحكم الجــائرة والراكدة.وفي النهاية انتصر فكريا التيار الاخواني بشقيه: السلطوي والتكفيري، وهزم التنوير والاصلاح.لماذا؟ لأن الاسلاميين شددوا علي اعتبار دعوتهم دعوة احيائية معاصرة وان كان تمجيد الماضي يحتل مكانة مركزية فيها. وفي ما بعد دعا القوميون الي الاحياء ايضا. وكلا التيارين تكلما لغة واحدة تقريبا وشرعا في تسويق فكرة المحافظة علي الهوية ومواجهة الغرب النصراني او الاستعماري. وبالتدريج بات الاصلاح لديهما مرادفا للغزو الثقافي.أين موقع محمد عبده من الإصلاح؟ليس، محمد عبده، في هذا السياق، مفكرا اصلاحيا علي الاطلاق. انما هو فقيه اصلاحي، او صاحب فتاوٍ جريئة، بمعايير عصرها، كان من شأنها أنها اثارت سجالات حيوية جدا في تلك الحقبة شبه الليبرالية من تاريخ مصر. ومحمد عبده كان، في بداياته، متصوفا خاملا وازهريا خامدا. لكن لقاءه الافغاني والتحاقه بأحد المحافل الماسونية في مصر اخرجاه من خموله وخموده ولا يذكر لمحمد عبده اي كتابات تأسيسية قط، حتي ان رسالة التوحيد (1892) عبارة عن دروس ألقاها في بيروت، وهي ساذجة علي العموم. وفي ما عدا ذلك ليس له الا تعليقات لغوية علي مقامات الهمذاني ونهج البلاغة، علاوة علي كتاب الاسلام والنصرانية بين العلم والمدنية 1903 وهو رد علي فرح أنطون، وكتاب الاسلام دين العلم والمدنية ومثل ذلك.ان الاصلاح الذي ربما يحتسب لمصلحة محمد عبده قد اقتصر علي المطالبة باصلاح القضاء الشرعي ونظام الاوقاف والتعليم. و التجديد لديه انحصر في مجال الفتاوي. غير ان هذه الفتاوي، علي جرأتها واهميتها، كانت نوعا من التيسير في مواجهة تشدد مشايخ الازهر، ولم ترتق الي منزلة الفكر الاصلاحي البتة، لأن دعوته الي الاجتهاد ظلت في حدود المنقول. وبطبيعة الحال، عجز عن ان يطور نهجا نقديا، اصلاحيا وتجديديا معا. وهذا ما كان من شأن تلميذه رشيد رضا وحتي علي عبد الرازق في ما بعد.محمد عبده والأزهرلعل أهم ما قدمه محمد عبده في سجالاته المتعددة هو نقده الذي لا يرحم لرجال الدين ومشايخ الازهر. واللافت انه تناول الأزهر بعبارات جارحة وقاسية قلما كانت تصدر عن رجال معممين في تلك الحقبة. فيقول في حوار مع الشيخ محمد البحيري، وهو ازهري، انه مكث عشر سنين وهو يكنس من دماغه ما علق فيه من وساخة الازهر، ولم يبلغ ما اراده من النظافة (الاعمال الكاملة، بيروت: 1972 ـ 1974). وكان لا يتورع عن ان يطلق علي الأزهر نعت الاسطبل و المارستان و المخروب . ولهذا رد عليه شيوخ الازهر بما يعيب والدته وبكلام بذيء، وكتبوا عن استاذه الافغاني كتابا بعنوان تحذير الأمم من كلب العجم ، وكتبوا عنه كتابا آخر بعنوان: كشف الاستاذ في ترجمة الشيخ الفشار (انظر: محمد رشيد رضا، تاريخ الاستاذ الامام ، القاهرة 1931). وعلي الرغم من هذه الجرأة المشهورة في التصدي لشيوخ الازهر الا انه ظل أقل جرأة، بما لا يقاس، من شبلي الشميل في مواجهته رجال الدين عامة، فهو يقول: لو قامت الانسانية في كل الدنيا ونسرت لحم رؤساء الاديان ـ الذين هم وحدهم المسؤولون عن كل الفظائع التي ارتكبت ولا تزال ترتكب باسم الدين ـ نسرة نسرة لما وفت حق الانتقام منهم لما جنوه اليوم علي الانسان .يبدو، علي الراجح، ان الفتاوي النقدية والجريئة لمحمد عبده كانت تضمر محاولة لاقصاء شيوخ الازهر التقليديين وتحطيمهم. ولم يكن هذا الامر بعيدا عن غبطة السلطات المصرية آنذاك. حتي ان الاصلاحيين في الازهر نفسه امثال مصطفي المراعي ومصطفي عبد الرازق كانا يخدمان ارادة السلطة في اصلاح شؤون الازهر وتحطيم سطوة شيوخه علي عقول العامة. ولعل الفتاوي التي نشرها محمد عبده كانت تعكس هذا السجال مع مشايخ الازهر. فقد افتي، علي سبيل المثال، بالتالي:جواز ارتداء الملابس الاوروبية واعتمار القبعة.جواز ايداع الاموال في البنوك والحصول علي الفائدة.اباح اقامة التماثيل والتصوير الفوتوغرافي.اباح الاكل من ذبائح المسيحيين واليهود.جواز التأمين علي الحياة والممتلكات.دعا الي ابطال تعدد الزوجات الا اذا كانت الزوجة عقيما.تخويل النساء حق الطلاق لشدة الظلم.جواز تولي المرأة المناصب العليا.بين السياسة والدينمحمد عبده مزيج من استاذه وتلميذه، اي من جمال الدين الافغاني، ورشيد رضا معا. فهو اصلاحي في جانب ورجعي في جانب آخر، وقد تأثر، بلا ريب، بأستاذه، واثر في تلميذه أبعد الأثر، فكان يمينيا في السياسة والاجتماع يساريا في الفتوي. وطالما عاب علي الخواص والاغنياء ورجال الحكومة مطالبتهم بالمساواة والديمقراطية لأنه لم يعهد في امة من امم الارض ان الخوص والاغنياء ورجال الحكومة يطالبون بمساواة انفسهم بسائر الناس ومشاركة الطبقات الدنيا لهم في ذلك . وفوق ذلك لم يكن يؤمن ان في امكان الشعب ان يتولي تصريف شؤونه بنفسه (اي الديمقراطية). وكان يعتقد ان مصر تحتاج الي قرون تثبت فيها العلوم وتُهذب العقول.. حتي ينشأ في البلاد ما يسمي الرأي العمومي وبعد ذلك يمكن التفكير في تقليد اوروبا او الولايات المتحدة . ولذلك دعا الي فكرة المستنير العادل ، اي الدكتاتورية المستنيرة، ورفض التمثيل البرلماني الذي كان يصفه بـ الخرافة .ان تأرجح محمد عبده بين السياسة والفقه ادي، في بعض المراحل، الي ان يسلك بعض المسالك الانتهازية. فعندما كان في مصر قبل نفيه لم يتردد في مهاجمة الاتراك واظهار ظلمهم. ولما جاء الي بيروت منفيا اندفع في احدي خطبه في المدرسة السلطانية بالقول: أفتتح كلامي بالدعاء لمولانا أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين السلطان عبد الحميد خان.. وان مَن له قلب اهل الدين الاسلامي يري ان المحافظة علي الدولة العلية العثمانية ثالثة العقائد بعد الايمان بالله ورسوله.. واني لا اجد في فرائض الله، بعد الايمان بشرعه والعمل علي اصوله، فرضا اعظم من احترام مقام الخلافة والاستمساك بعصمته والخضوع لجلالته وشحذ الهمة لنصرته بالفكر والقول والعمل (مجلة ثمرات الفنون ـ بيروت ـ العدد 591، 1886).محمد عبده واللورد كرومرمن غير الواضح، تماما، كيف ارتبط محمد عبده بأواصر متينة مع اللورد كرومر. فالمعروف عن كرومر انه كان معاديا للاسلام بشكل قاطع، وهو يُفصح عن موقفه بالنص التالي: ان الاسلام اذا لم يكن ميتا فانه في طور الاحتضار اجتماعيا وسياسيا، وان تدهوره المتواصل لا يمكن وقفه مهما ادخلت عليه من اصلاحات تحديثية بارعة، لأن التدهور كامن اساسا في جوهره الاجتماعي، وهو جوهر قائم علي تخصيص دور متخلف للمرأة في المجتمع، وعلي التغاضي عن نظام الرق، وعلي جمود الشرع وقطيعة النص، وان لا بديل من التحديث الكامل من دون الاسلام ، ومع ذلك نزل الامام محمد عبده علي رغبة صديقه اللورد كرومر الذي كان عينه مفتيا للديار الاسلامية في 1899/6/3 وشرع في سنة 1905 أي في ذكري مئة سنة علي ولادة محمد علي، في كتابة سلسلة مقالات تهاجم محمد علي وحكمه وطموحاته.في 1881/9/9 اندلعت تظاهرة عابدين المشهورة، فانضم محمد عبده الي العُرابيين، فسجن ثم صدر قرار نفيه في 1882/12/24 وفي ما بعد بادرت الاميرة نازلي فاضل والشيخ علي الليثي الي التوسط لدي اللورد كرومر في سبيل اعادته، وكان عبده قد اعتبر انضمامه الي التظاهرة غلطة عمره، وقرر الا يعود اليها مرة ثانية، بل عاد الي مصر متعهدا عدم الاشتغال بالسياسة والانصراف الي الفتاوي. وقد قرّعه جمال الدين الأفغاني علي جبنه وتخاذله تقريعا شديدا، وكانت القطيعة بينهما جراء ذلك. ومهما يكن الأمر، فان محمد عبده السياسي يبدو هزيلا جداً ومحمد عبده الاصلاحي مقصورا علي مضمار الفقه لا علي مضمار الفكر. وفي اي حال فان حال المسلمين اليوم، اذا قرأناها في ضوء نهج الاصلاح لدي محمد عبده، تدل بوضوح علي ان هذا النهج كان بلا فائدة بتاتا. وربما تمكننا قراءة حال المسلمين في ضوء منهج التغيير من اكتشاف نتائج مغايرة.
الاثنين، ١٣ أكتوبر ٢٠٠٨
الأربعاء، ١ أكتوبر ٢٠٠٨
الأربعاء، ٢٤ سبتمبر ٢٠٠٨
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)